شهدت الأسواق العالمية خلال الأسبوع الحالي شطب مجموعة إيفرغراند الصينية من بورصة هونغ كونغ، بعد أكثر من 18 شهرًا من تعليق التداول على أسهمها، في أعقاب إصدار محكمة هونغ كونغ قرار التصفية الرسمي للشركة في يناير 2024. وتعتبر أزمة إيفرغراند واحدة من أبرز الأزمات الاقتصادية التي هزّت الصين والعالم في العقدين الأخيرين.
تأسست إيفرغراند عام 1996، وسرعان ما تصدرت المشهد العقاري الصيني، لتصبح ثاني أكبر مطور عقاري في البلاد، مع قيمة سوقية بلغت ذروتها أكثر من 50 مليار دولار. قاد النمو السريع موجة من الاقتراض المكثف، حيث اعتمدت الشركة على شراء الأراضي بأسعار مرتفعة، وإطلاق مشاريع ضخمة، وبيع الشقق على المخطط لتوليد السيولة اللازمة للمشاريع الجديدة. هذا النمو الطموح شكّل نموذجًا ماليًا هشًا يعتمد على التدفقات النقدية المستقبلية واستمرار ارتفاع أسعار العقارات.
مع تصاعد المخاطر النظامية، فرضت الحكومة الصينية في 2020 ما يعرف بـ”الخطوط الحمراء الثلاث”، التي تقيس نسبة الدين إلى الأصول، والدين إلى حقوق الملكية، والسيولة مقابل الديون قصيرة الأجل. تجاوزت إيفرغراند هذه الحدود، ما منعها من الحصول على تمويل جديد وأدخلها في أزمة سيولة خانقة. بحلول 2021، بلغت ديونها نحو 2 تريليون يوان، تشمل التزامات للبنوك والسندات ومقدمات من ملايين العملاء، مما أدى إلى توقف مئات المشاريع وتأجيل تسليم آلاف الشقق، وتسبب في موجة احتجاجات شعبية واسعة.
رغم محاولات إعادة الهيكلة وتمديد آجال السداد، فشلت الشركة في تقديم خطة قابلة للتنفيذ، ليتم تصفيتها رسميًا، مع تعيين مكتب Alvarez & Marsal لإدارة التصفية. شطب أسهمها من بورصة هونغ كونغ في 25 أغسطس 2025 يمثل نهاية رسمية لقصة الشركة.
امتدت آثار الأزمة إلى السوق العقاري الصيني، حيث شهدت تراجعًا في المبيعات وزيادة معدلات الشغور، وضغطًا على البنوك المكشوفة على ديون الشركة، إضافة إلى خسائر كبيرة للمستثمرين الأجانب. أما الأسواق العالمية، بما فيها اليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا والولايات المتحدة، فقد تفاعلت بحذر، دون تسجيل انهيارات مفاجئة، فيما قد يؤدي تآكل الثقة بالقطاع العقاري الصيني إلى تحويل بعض رؤوس الأموال إلى أسواق مثل دبي مستقبلاً.
تعكس أزمة إيفرغراند هشاشة نموذج التوسع العقاري المعتمد على الديون، وتؤكد أن الاعتماد المفرط على التمويل المسبق يمكن أن يقود في النهاية إلى الانهيار، حتى في أكبر اقتصادات العالم.